السياسة ابتداءً تفكير وتدبير، يحكمهما منطق، ويبررهما معيار ضمني يتواضع عليه العقلاء، ويقتنع به المواطنون والمواطنات وينخرطون فيه، معه أو ضده، بالشكل والأسلوب الذي يختارونه، وحين يغيب المنطق، كل منطق، تتحول أحاديث السياسة، والاشتغال بها، إلى ضروب من العبث واللامعقول، ويهرع المواطن إلى سلاح الاعتزال، خط الدفاع الأخير بالنسبة إليه، أو ما نسميه عندنا بالعزوف، العزوف هو، رفع (لا) كبيرة وقوية، وبشكل جمعي، هو التعبير عن ارتفاع المنطق، وغياب الضمانات.

يدلنا علم الاجتماع السياسي على أن المجتمع-كل مجتمع-يضمر بالضرورة وعيا جمعيا معينا تجاه الظواهر والأحداث، ويمتلك وينمي أسلوبه الخاص في مقاومة ورفض الأفكار والتمثلات التي يصعب استيعابها وإخضاعها لمنطق ما.

دعونا الآن نفكر قليلا فيما يلي، الحكومة مقبلة على تعديل، يقال إنه جوهري، ينتظر منه مدها بالكفاءات اللازمة لمواجهة المعضلات المتراكمة، ما يعني أنها وصلت إلى الباب المسدود، وأن أعلى سلطة في البلاد تطالبها بتغيير المسار، وبضخ دماء جديدة من شأنها الرفع من الإيقاع، والتمكن من الإجابة عن أسئلة لم تعد قابلة للإرجاء، والمحصلة أن عناصر معينة ستغادر لتعوضها أخرى غيرها، وبالطبع فالعناصر المغادرة ستستفيد من تعويضات معتبرة ومن تقاعد مريح، وكما العادة بلا سؤال ولا محاسبة، وربما ستنتظر أو ستتحين في الغالب فرصتها الجديدة لتعود مرة أخرى من طريق آخر، وهكذا دواليك، وكأننا بصدد دائرة مغلقة تدور حول نفسها، ثم تدور نفس الوجوه ونفس العينات، وبالطبع نفس الأجوبة، مع بعض التغيير في بلاغة الخطاب، السؤال: أين شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة هاهنا؟ وأين معنى الكفاءات كما أكد عليه ملك البلاد؟ وأين المنطق في كل هذا؟

وفي هذا الوقت والأجواء بالذات، يخرج حزب من الأغلبية ليعلن مغادرته للحكومة، واصطفافه مع المعارضة، ما يعني أن جزءا من عقل الحكومة وتدبيرها سيقوم بمعارضتها، الآن، والسبب كما أدلى به السيد نبيل بن عبد الله هو غياب عرض سياسي مقنع، هل يعقل سياسيا وأخلاقيا، ولا أقول قانونيا أو دستوريا، مغادرة الحكومة، الآن في هذا الظرف الصعب والدقيق وهي على مشارف إنهاء ولايتها؟ من نخاطب إذن، ومرة أخرى أين ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ بل أين المسؤولية هاهنا ابتداء؟ وفي النهاية أين المنطق الذي نريد أن نقنع به المواطنات والمواطنين في كل هذا؟

 

ابراهيم أقنسوس