صحوات ضمير مرخص لها:

سبق أن اعتبرت أن المملكة المغربية – في ما يخص زرع الأطروحة البئيسة للانفصال، في صحرائه الجنوبية - ضحية مغاربية، لما ينعت رسميا بالعصابة الجزائرية المسجونة حاليا؛ إذ من غير المنطقي ألا تكون ضحية مباشرة لهذه العصابة التي حكمت، لعشرات السنين، البر والبحر والسماء؛ وأسست وأرست عقيدة عسكرية عاضة على الدولة؛ ولا تتدفأ بغير جمر العداوة، تكنها للمملكة، مهما كان السبب؛ إذ من هذه العداوة المفتعلة، الماهرة في خلق حاضنتها الاجتماعية، تستمد شرعيتها التحكمية؛ في السياسة والاقتصاد.

ومنها أيضا يتغذى زخم حضورها، المباشر أو المتنكر، في المنتظم الدولي؛ راعية مزعومة لحق الشعوب في تقرير مصيرها.

بصحراء مغربية، شرقية وجنوبية، أو دونها؛ ما كان للعلاقة أن تصفو بين جنرالات الطوارئ العابرة في زهو عابر، ومملكة تمتح من التاريخ وتشرئب إلى الديموقراطية والحداثة.

جنرالات بأحذية ثقيلة، وبدلات مضمخة بعطن البترول والغاز؛ يثقل ويسمم الهواء المغاربي كله.

عدت إلى التأكيد على هذا، اليوم، لأن الرئاسيات الجزائرية "الغريبة" الحالية تؤكد على صدقه؛ ففي "صحوة ضمائر"، مرخص لها من المؤسسة العسكرية إياها، غدا المغرب في قلب الحملات الانتخابية الخمسة، التي يضيِّق عليها الحراك الشعبي الخناق حيثما اتجهت وانعقدت؛ حتى غدت شبيهة، إلى حد ما، بالعمل السري إبان حرب التحرير، شكلا ودون نبل مقاصده.

من خلال هذا الحضور، الموزع بإحكام بين المترشحين، تواصل الأركان العسكرية الحاكمة إثقال شطر العصابة النافذ، المغيب، تكتيكيا فقط، في السجن.

وكأن لسان الحال، وهو يسعى للإحاشة للانتخابات، ليس إلا؛ يقول للشعب الجزائري المعياف:

إن العصابة هي المسؤولة حتى عن تأزيم العلاقة مع جارنا الغربي؛ وغدا ستشرق شمس المحبة بيننا.

وهل كان الغرب يوما غير مغربي؟

يعبر هذا الخطاب الجزائر من أقصاها إلى أقصاها، لكنه يمطر وينبت في ولايات الغرب الجزائري: وهران، مستغانم، تلمسان، معسكر، تيارت، غيلزان، سيدي بلعباس، سعيدة..

هذه الولايات مظلوميتها مضاعفة، فهي من جهة تتقاسم مع سائر ساكنة الولايات الأخرى عنت تسلط العسكر ومكابدته؛ ومن جهة أخرى تخضع منذ عشرات السنين لعمل ممنهج يسعى لقطع كل الشرايين المغربية بها، الحاضرة في العلاقات الأسرية، الاجتماعية، الاقتصادية، الفنية، وحتى القيمية.

إن الغرب الجزائري، والذي سعى إلى مبايعة السلطان مولاي عبد الرحمن، في فجر الاحتلال الفرنسي، أميرا للجهاد؛ والذي خرج مستبشرا بقدوم كتيبة الأمير علي إلى مدينة وهران لطمأنة الساكنة وقتها؛ هو الغرب الذي لا يمكن أن تموت مغربيته التاريخية.

هذا الغرب بالذات هو الذي احتضنت مدينة وجدة بعض ساكنته، إبان حرب التحرير، وأصهرت إليهم وأصهروا إليها؛ وواصلت بعد الاستقلال "جزائريتها " مع العائدين، كما تواصلت "مغربية" ضيوف التحرير.

هل يصح للمؤسسة العسكرية، الراعية للرئاسيات، أن تتلاعب بكل هذا؟

تزرع ورود الصلح مع الجار، دون أن يكون في نيتها سقيها، بل إحياء العروق القديمة، العابرة تحت الأسلاك الشائكة والمتاريس.

هلوسات الحشيش والاعتذار:

يتلون الخطاب الانتخابي، اعتبارا لحواضن الكراهية التي مكنت لها حتى البرامج التعليمية، فينتقل من رسم الغد المغربي والمغاربي المشرق، إلى خلع الأسنان باعتبار المغرب باقتصاد حشيشي يضاهي محروقات الجزائر كلها؛ وكأن الحشاش هو من يزرع الحشيش فقط، وليس من يدخنه؛ بل ويخترق الحدود المغلقة لاستجلابه.

وكأن فضيحة جنرالات المخدرات، وهي من شرارات الحراك الأولى، لم تكن براية ونياشين جزائرية، ذات صولة وصولجان.

وهل مليارات الحبوب المهلوسة تزرع بذورا في جبال الحشيش، أم تنتج صناعيا – وتوزع على المهربين مجانا - في مصانع الشريط الحدودي الواقعة في التراب الجزائري؟

على أي يجب أن يرقى النقاش في هذا الجانب وغيره؛ وينتقل من خطاب جمركي سطحي واستهلاكي، إلى خطاب سياسي، رئاسي، يستحضر الآفة استحضارا نسقيا ويضع استراتيجية محكمة المراحل وبعيدة المدى لمحاربتها في البلدين معا وسويا.

هذا ممكن جدا جزائريا ومغربيا ومغاربيا؛ ودوليا طبعا.

على ماذا يعتذر المغرب يا سيد تبون؟

إذا سلمنا جدلا أن على المغرب أن يعتذر على ممارسته لحق إداري سيادي يخص أمنه الداخلي، عقب أحداث أطلس آسني؛ فبأي جريرة يطرد هواري بومدين – قبل هذا -عشرات الآلاف من المغاربة، ويشرد أسرا مشتركة، ويصادر ممتلكات تحميها القوانين الدولية إن لم تصنها الأخوة؟

وقتها صان المغرب جميع حقوق من وجد بأرضه من الإخوة الجزائريين، واستوعب اقتصاديا واجتماعيا كل أبنائه المطرودين.

ألا يجب أن يرقى الخطاب الانتخابي الرئاسي عن الإبداع في التعجيز إلى الدفع بالتي هي أحسن؛ حتى تلتئم كل الجروح؟

إن الحراك مدرسة سياسية تؤسس، بمطالبها وشعاراتها، للمستقبل الجزائري والمغاربي؛ الذي يجب أن يولد من رحم المعاناة المشتركة؛ فكيف يقنع خطاب الرئاسيات هذه الحشود، ويعيد الهدوء الإيجابي إلى شوارع البلاد، وهو لا يغير قواميسه ومفرداته كلها؟

ومهما يكن فمن المهم، بل المبشر، أن يحضر المغرب في رئاسيات الجزائر؛ لكن حضور صدق واعتراف، وحضور إشراق مغاربي قادم، يبدد ظلام الحاجة والتخلف بهذه الربوع كلها؛ والتي فعلت بنفسها - ويا للمفارقة – ما لم يفعله المستعمر بها.

أما أن يحضر مجرد مرشح في الغرب الجزائري، لإحاشة أصوات الناخبين (إن انتخبوا)

فهذا ما لا طائلة من ورائه، عدا المزيد من الكراهية.

لا أبلغَ من نداء "هلموا للحوار" دون شروط مسبقة؛ ويبقى أعزَّ ما يطلب حاليا؛ حتى لا يكون قدر الشعوب المغاربية ألا ترعى غير الهشيم المداس.

 

رمضان مصباح الادريسي