في شهر غشت الماضي، بمدينة أصيلة، شمال المغرب، بدأت سفرا روائيا في ثالث الأعمال الروائية للصديق إدريس الكنبوري: "الكافرون".

بدأت الرحلة، وأعترف بأنها كانت صعبة لثقل الموضوع، وتريثي في القراءة لأسباب شتى، ولكنني مضيت إلى النهاية.

وفي شهر ديسمبر 2019، وصلت أخيرا، ولو متأخرا جدا، إلى نهاية "الكافرون"؛ لأن من عادتي أن ألتهم النص الجيد على نار هادئة جدا.

تستحق رواية "الكافرون" القراءة، لأنها تقدم لغة عربية يسيرة، مع توالي وتوالد في الأحداث، بوتيرة متسارعة، وغوص عميق في نفسية الشخصية المتطرفة، وكشف أبعاد إنسانية تغيب لما يكون البطل تكفيريا ومندفعا، ولكنه يسترجع إنسانيته في عزلة السجن.

تخرج "الكافرون" مع شقيقات أخريات لها في صمت مطبق، في ظل غياب ماكينة إعلامية مغربية، وفي ظل انتشار مرض الشلليات المغلقة مغربيا، وفي ظل استمرار تكريس نفس الأسماء الكاتبة، في كل التظاهرات، خصوصا بعض الأسماء المنتمية سياسيا.

أعتقد أنه في ظل هذا المناخ الثقافي المغربي المريض جدا لا يمكن لاسم الدكتور إدريس الكنبوري أن يجد احتفاء روائيا يليق به، كما يليق بغيره من الأسماء المغربية المبدعة، ولكنها منسية.

فللأسف الشديد في مغرب لا يكاد يقرأ مواطن سطرين اثنين سنويا. يبني من يسمون أنفسهم روائيين جدران فصل عنصري ضد أجيال جديدة من الكتبة المجتهدين.

ولأنني قارئ للأعمال الروائية المغربية والعربية والعالمية، أعتبر رواية "الكافرون" أول نص أدبي رصين، يقدم سيرة ذاتية روائية ومتخيلة، ولكنها مفصلة جدا، لشخصية تكفيري من تيار السلفية الجهادية، مع تبيان ذكي للمناخ العام الذي استقطب فيه التيار أنصاره، من الأوساط محدودة التعليم، وكيف جرى التشبيك السري، إلى غاية استقطاب يافعين وشباب إلى إقامة "إمارة إسلامية"، كفرت الآخر من أفراد عائلة الراديكاليين باسم الدين الإسلامي، وكفرت أيضا المجتمع المغربي.

بالتأكيد راكم الصديق إدريس الكنبوري، خلال اشتغاله في العمل الصحافي، تراكما حيال شخصية المتطرف المنتمي إلى التيار السلفي الجهادي، وما إنتاجه لهذا النص إلا ثمرة قراءات وتراكمات مهنية.

فللدكتور إدريس الكنبوري، كما أعرفه، عشق كبير للقراءة بشكل يومي، في مكتبه المتواضع بمدينة سلا.

في رواية "الكافرون"، ذكرنا الدكتور إدريس الكنبوري بأن المتطرف لديه قلب ينبض حبا، ولو في أصعب الظروف، وبأن التكفيريين هم بشر يصابون أيضا بالجنون في النهاية، أو يشربون مهدئات.

شعرت بتعب شديد في قراءة الرواية، لأن تصويرها ولو تخييلا، واقعي جدا، لأن الكاتب الروائي صحافي مهني، يتقن تجميع المعطيات وتحويلها إلى سيرة قابلة للقراءة.

حاورت الدكتور إدريس الكنبوري مرارا حول الظاهرة الإرهابية في المغرب، ويمتلك إلمام الصحافي والجامعي المتخصص أيضا بالموضوع رغم حساسيته، ورغم أن المشتغل فيه يشبه الماشي وسط حقل ألغام.

تنتمي رواية "الكافرون" في أسلوبها الروائي إلى السهل الممتنع، كما يسقط القارئ في تناقض نفسي بين التعاطف مع السجين المضرب عن الطعام، من أجل التمكن من رؤية والده، قبل وفاته، وبين الغضب الشديد أمام شاب اختار التطرف الديني باسم الله، وأن يشارك في إقامة دولة إسلامية في المغرب.

أعتقد أن الزمن الروائي يعود إلى العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، مع صعود تيار السلفية الجهادية، وتنظيم القاعدة الإرهابي.

وأرى "الكافرون" مرجعا روائيا يكشف خطورة التهديدات التي تحيط بالمغرب، من شباب اختاروا طريق شر، مكفرين للآخر، بدءا من الأسرة والأب والأخ، قبل الوصول إلى تكفير كل المغاربة.

كما يصور الكنبوري بذكاء وحشية السلفيين الجهاديين، لما يقتلون راعيا للغنم، بعد سرقة قطيعه، تحت اسم الفيء المباح لهم.

وأخيرا، يترك الروائي المغربي القارئ، في نهاية مفتوحة أدبيا، وسط السجن، في مشهد مطالبة البطل/ الإرهابي بإطفاء الأنوار في السجن، من أجل أن يتمكن من الحلم، لأن والده توفي دون أن يراه.

نجح الكنبوري في إقناع القارئ، ولو روائيا، بخطورة التطرف الديني، داعيا بأسلوب ذكي إلى أن دعاة الغلو الديني، والقتل للآخر لبلوغ الجنة، ما هم إلا من الجهلة بالإسلام.

فهنيئا للمكتبة الروائية المغربية برواية "الكافرون"، في انتظار الجديد الإبداعي للدكتور إدريس الكنبوري، وسط أمواج عاتية في بحر الرواية المغربية.

 

عادل الزبيري